الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
التنبيه الثالث: اختلف في سبب تلقيبه بذي القرنين. فقيل لأنه طاف قرني الدنيا. يعني جانبيها شرقها وغربها. أو لأنه كان له قرنان أي: ضفيرتان. أو لأنه ملك الروم وفارس.قال الزمخشري: ويجوز أن يلقب بذلك لشجاعته، كما يسمى الشجاع كبشا لأنه ينطح أقرانه.أقول: هذا اللقب من الكناية عن كل ذي قوة وبأس وسلطان. لأن ذا القرون من المواشي أقواها وأشدها. والكناية بالقرن عن القوة والسلطان معروفة عند اليهود، الذين هم السائلون. وقد وقع في توراتهم في نبوة دانيال عليه السلام قوله عن الملك: فإذا أنا بكبش واقف عند النهر. وله قرنان، ثم قوله: وبينما كنت متأملا إذا بتيس معز قد أقبل من المغرب على وجه الأرض كلها. وللتيس قرن عجيب المنظر بين عينيه، قالوا: القرن هنا رمز إلى القوة والسلطان. والتيس رمز إلى مملكة اليونان. وقرنه رمز إلى أول ملك على هذه المملكة وهو الإسكندر الكبير. وما أشار إليه من سرعة مسير هذا التيس إيماء إلى كثرة ما دهم البلاد من الغارات المتواصلة. قوله: خرج من المغرب إشارة إلى خروجه من مكدونية التي هي إلى غرب فارس، وذلك حين تقدم على جيوش داريوس وكسره. وتعقبه إلى داخل مملكته. والقصد أن هذا اللقب- ذو القرنين- شهير وليس من أوضاع العرب خاصة. كما زعمه بعضهم. بل هو معروف عند العبرانين أيضًا. وقد يظهر أنه من رموزهم الخاصة التي سرت إلى العرب. وأقرتهم عليها.التنبيه الرابع: قال الرازي: اختلفوا في ذي القرنين. هل كان من الأنبياء أم لا؟ منهم من قال: إنه كان نبيًا. واحتجوا عليه بوجوه:الأول: قوله: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ} والأولى حمله على التمكين في الدين. والتمكين الكامل في الدين هو النبوة.الثاني: قوله: {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} ومن جملة الأشياء النبوة.فمقتضى العموم في قوله: {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} هو أنه تعالى آتاه من النبوة سببًا.الثالث: قوله تعالى: {قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} والذي يتكلم الله معه لابد أن يكون نبيًا. ومنهم من قال إنه عبدًا صالحًا وما كان نبيًا. انتهى.ثم قال الرازي بعد: يدلُّ قوله تعالى: {قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ} على أنه تعالى تكلم معه من غير واسطة. وذلك يدل على أنه كان نبيًا. وحمل هذا اللفظ على أن المراد أنه خاطبه على ألسنة بعض الأنبياء- فهو عدول عن الظاهر. انتهى.ولا يخفى ضعف الاستدلال بهذه الأدلة على نبوته. لأن مقام إثباتها يحتاج إلى تنصيص وتخصيص. وأما تعمق الجري وراء العمومات، لاستفادة مثل ذلك، فغير مقنع.وأما قوله تعالى: {قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ} فقدمنا أنه كناية عن تمكينه تعالى له منهم. لا أنه قول مشافهة. وإلا لو كان ذلك لكان مخيرًا منه تعالى وملقنًا ما يفعل بهم. فأنى يسوغ له نقضه باجتهاد آخر. ولا يقال إن الأصل في الإطلاق الحقيقة. لأنا نقول به، ما لم يمنع منه مانع، من نحو ما ذكرناه. وللتنزيل الكريم أسلوب خاص، عرفه من أنعم النظر في بديع بيانه. نعم. لو كان مراد القائل بنبوته أنه من الملهمين ذهابًا في النبوة إلى المعنى الأعم من الإيحاء بشرع، ومن الإلهام، لكان قريبًا. فتكون نبوته من القسم الثاني وهو الإلهام. ويطلق الصوفية على مثله الوارد. وجاء في الحديث تسمية صاحبه محدَّثًا. وإطلاق النبوة عليه، وإن كان محظورًا في الإسلام، إلا أنه كان معروفًا قبله في العباد الأخيار.التنبيه الخامس: حكي في قوله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} قولان في أن السائلين هم اليهود أو غيرهم. ورجح الأول من وجهتين:أولهما: أن للإسكندر عند اليهود شأنًا وقدرًا. وذلك لما حكي أنه لما فتح غزة ودنا من بيت المقدس، خرج إليه رئيس أحبارها وقدم إليه الطاعة. فدخلها إسكندر وسمع نبوة التوراة فسرَّ وأحسن إلى اليهود. وتعقب بعض المؤرخين هذه الرواية بأنها غير مأثورة في كتب اليونان، ولم يروها أحد من مؤرخيهم.ثانيهما: أن عنوان ذو القرنين من رموز الإسرائيليين كما قدمناه عنهم.التنبيه السادس: قالوا المراد بالعين الحمئة البحر المحيط. وتسميته عينًا لكونه بالنسبة لعظم قدرته تعالى، كقطرة. وإن عظم عندنا. قالوا: رأى الشمس في منظره تغرب في البحر. وهذا شأن كل من انتهى إلى ساحله، يراها كأنها تغرب فيه. وهي لا تفارق فلكها.وللإمام ابن حزم عليه الرحمة رأي آخر في الآية. ذكره في كتاب الملل في بحث كروية الأرض قال: ذو القرنين هو كان في العين الحمئة الحامية كما تقول: رأيتك في البحر، تريد أنك إذا رأيته كنت أنت في البحر. وبرهان هذا أن مغرب الشمس لا يجهل مقدار عظيم مساحته إلا جاهل. ومقدار ما بين أول مغربها الشتوي إذا كانت من آخر رأس الجدي إلى آخر مغربها الصيفي إذا كانت من رأس السرطان- مرئيّ مشاهد. ومقداره ثمان وأربعون درجة من الفلك. وهو يوازي من الأرض كلها بالبرهان الهندسيّ أقل من مقدار السدس. يكون من الأميال نحو ثلاثة آلاف ميل ونيّف. وهذه المساحة لا يقع عليها في اللغة اسم عين البتة. لاسيما أن تكون عينًا حمئةً حاميةً. وباللغة العربية خوطبنا. فلما تيقنا أنها عين بإخبار الله عز وجل، الصادق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، علمنا يقينًا أن ذا القرنين انتهى به السير في الجهة التي مشى فيها من المغارب إلى العين المذكورة. وانقطع له إمكان المشي بعدها لاعتراض البحار له هنالك. وقد علمنا بالضرورة أن ذا القرنين وغيره من الناس، ليس يشغل من الأرض إلا مساحة جسمه فقط. قائمًا، أو قاعدًا أو مضطجعًا. ومن هذه صفته، فلا يجوز أن يحيط بصره من الأرض، بمقدار مكان المغارب كلها، لو كان مغيبها في عين من الأرض. كما يظن أهل الجهل. ولابد من أن يلقى خطُّ بصره من حدبة الأرض، ومن نشر من أنشازها، ما يمنع الخط من التمادي، إلا أن يقول قائل: إن تلك العين عي البحر فلا يجوز أن يسمى البحر في اللغة عينًا حمئةً ولا حاميةً. وقد أخبر الله عز وجل أن الشمس تسبح في الفلك. وأنها إنما هي من الفلك سراج. وقول الله تعالى هو الصدق الذي لا يتناقض فلو غابت في عين من الأرض، كما يظن أهل الجهل، أو في البحر، لكانت الشمس قد زالت عن السماء وخرجت عن الفلك، وهذا هو الباطل. فصح يقينًا، بلا شك، أن ذا القرنين كان هو في العين الحمئة والحامية، حين انتهى إلى آخر البر في المغارب. لاسيما مع ما قام البرهان عليه، من أن جرم الشمس أكبر من جرم الأرض. وبرهان آخر قاطع وهو قوله تعالى: {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا} فصح ضرورة أنه وجد القوم عند العين لا عند الشمس. انتهى كلام ابن حزم.التنبيه السابع: قال الرازيّ: الأظهر أن موضع السّدين في ناحية الشمال. وقيل: جبلان بين أرمينية وأذربيجان. وقيل: هذا المكان في منقطع أرض الترك.وحكى محمد بن جرير الطبريّ في تاريخه أن صاحب أذربيجان، أيام فتحها، وجه إنسانًا إليه من ناحية الخَزَر. فشاهده ووصف أنه بنيان رفيع، وراء خندق عميق وثيق منيع.وذكر ابن خرداد في كتاب المسالك والممالك أن الواثق بالله رأى في المنام كأنه فتح هذا الردم، فبعث بعض الخدم إليه ليعاينوه. فخرجوا من باب الأبواب حتى وصلوا إليه وشاهدوه. فوصفوا أنه بناء من لبن من حديد، مشدود بالنحاس المذاب، وعليه باب مقفل. ثم إن ذلك الإنسان، لما حاول الرجوع، أخرجهم الدليل على البقاع المحاذية لسمرقند.قال أبو الريحان: مقتضى هذا أن موضعه في الربع الشماليّ الغربيّ من المعمورة. والله أعلم بحقيقة الحال. انتهى كلام الرازيّ.وقال الإمام ابن حزم في الملل والنحل جزء أول صحيفة 120 في تفنيد دعوى اليهود أن الجنة التي أهبط منها آدم في الأرض، ما مثاله. فإن قيل: ذكر في القرآن سد يأجوج ومأجوج. ولا يدرى مكانه ولا مكانهم. قلنا: مكانه معروف في أقصى الشمال في آخر المعمورة منه. وقد ذكر أمر يأجوج ومأجوج في كتب اليهود التي يؤمنون بها ويؤمن بها النصارى. وقد ذكر يأجوجَ ومأجوجَ والسدَّ أرسطاطاليس في كتابه في الحيوان عند كلامه على الغرانيق. وقد سد يأجوج ومأجوج بطليموس في كتابه المسمى جغرافيا وذكر طول بلادهم وعرضها. وقد بعث إليه الواثق أمير المؤمنين سلام الترجمان في جماعة معه حتى وقفوا عليه. ذكر ذلك أحمد بن الطيّب السرخسيّ وغيره. وقد ذكره قُدَامة بن جعفر والناس. فهيهات خبر من خبر. وحتى لو خفي مكان يأجوج ومأجوج والسد. فلم يعرف في شيء من المعمور مكانه، لما ضر ذلك خبرنا شيئًا. لأنه كان يكون مكانه حينئذ خلف خط الاستواء حيث يكون ميل الشمس ورجوعها، وبعدها كما هو في الجهة الشمالية. بحيث تكون الآفاق كبعض آفاقنا المسكونة، والهواء كهواء بعض البلاد التي يوجد فيها النبات والتناسل. واعلموا أن كل ما كان في عنصر الإمكان، فأدخله مدخل في عنصر الامتناع بلا برهان فهو كاذب مبطل جاهل، أو مجاهل. لاسيما إذا أخبر به من قد قام البرهان على صدق خبره. وإنما الشأن في المحال الممتنع الذي تكذبه الحواس والعيان أو بديهة العقل. فمن جاء بهذا فإنما جاء ببرهان قاطع على أنه كذاب مفتر. ونعوذ بالله من البلاء. انتهى كلام ابن حزم.قال بعض المحققين: اعلم أنه كثيرًا ما يحدث في الثورات البركانية أن تنخسف بعض البلاد أو ترتفع بعض الأراضي حتى تصير كالجبال. وهذا أمر مشاهد حتى في زمننا هذا. فإذا سلم أن سدّ ذي القرنين المذكور في هذه الآية غير موجود الآن، فربما كان ذلك ناشئًا من ثورة بركانية خسفت به وأزالت آثاره. ولا يوجد في القرآن ما يدل على بقائه إلى يوم القيامة. أما قوله تعالى: {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ} فمعناه أن هذا السد رحمة من الله بالأمم القريبة منه. لمنع غارات يأجوج ومأجوج عنهم، ولكن يجب عليهم أن يفهموا أن مع متانته وصلابته لا يمكن أن يقاوم مشيئة الله القويّ القدير، فإن بقاءه إنما هو بفضل الله. ولكن إذا قامت القيامة وأراد الله فناء هذا العالم، فلا هذا السد ولا غيره من الجبال الراسيات يمكنها أن تقف عثرة، لحظة واحدة أمام قدرة الله. بل يدكها جمعاء دكًّا في لمح البصر. فمراد ذي القرنين بهذا القول تنبيه تلك الأمم على عدم الاغترار بمناعة هذا السد، أو الإعجاب والغرور بقوتهم. فإنها لا شيء يذكر بجانب قوة الله. فلا يصح أن يستنتج من ذلك أن هذا السدّ يبقى إلى يوم القيامة، بل صريحه أنه إذا قامت القيامة في أي: وقت كان، وكان هذا السد موجودًا، دكّه الله دكًا، وأما إذا تأخرت فيجوز أن يدك قبلها بأسباب أخرى. كالزلازل إذا قدم عهده. وكالثورات البركانية كما قلنا. وليس في الآية ما ينافي ذلك. وأما قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} فالمراد منه خروجهم بكثرة وانتشارهم في الأرض، كما يخرج الشيء المحبوس أو المضغوط إذا انفجر. واستعمال لفظ الفتح مجازًا شائع في اللغة. ومنه قولك فتحوا البلاد وقوله تعالى: {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 44]، فليس للأشياء أبواب. وكذلك يأجوج ومأجُوج لا باب لهم.بل هم من كل حدب ينسلون والغالب أن المراد بخروجهم هذا، خروج المغول التتار، وهم من نسل يأجوج ومأجوج وهو الغَزْو الذي حصل منهم للأمم في القرن السابع الهجريّ. وناهيك بما فعلوه إذ ذاك في الأرض، بعد أن انتشروا فيها، من الإفساد والنهب والقتل والسبي. والراجح أن السد كان موجودًا بإقليم داغستان التابع الآن لروسيا، بين مدينتي دربند وخوزار. فإنه يوجد بينهما مضيق شهير منذ القدم، يسمى عند كثير من الأمم القديمة والحديثة بالسُّد وبه موضع يسمى باب الحديد وهو أثر سدّ حديدي قديم بين جبلين من جبال القوقاز الشهيرة عند العرب بجبل قاف وقد كانوا يقولون إن فيه السد كغيرهم من الأمم. ويظنون أنه في نهاية الأرض. وذلك بحسب ما عرفوه منها. ومن ورائه قبيلتا يأجوج ومأجوج. انتهى.وجاء في صفوة الاعتبار أن السور الذي وصلوا إليه أيام الواثق من بني العباس، هو سور الصين الذي هو إحدى عجائب مملكة الصين. فإن طوله نحو ألف ومائتين وخمسين ميلًا، وسمكه من الأسفل نحو خمسة وعشرين قدمًا، ومن أعلاه نحو خمسة عشر قدمًا. وارتفاعه ما بين خمسة عشر إلى عشرين قدمًا. وفي أماكن منه حصون يبلغ ارتفاع بعضها إليه أربعين قدمًا. بني لرد الهجمات على المملكة الصينية الأصلية، من المغول والقبائل الشمالية. والسور الآن خراب في جهات كثيرة. فإن كان هو المراد بالسد في الآية. لزم حمل الصفات المذكورة فيه، من كونه من زبر الحديد، ومفرغًا عليه النحاس، على بقاع من ذلك السور. والصدفان حينئذ طرفان من ذلك السور. كما تؤوّل صفات يأجوج ومأجوج، إلى ما يصح إطلاقها به على التتر والمنشورية. ويكون وعد الله الذي يدك فيه السد هو قرب الساعة. ولا شك أنها قربت بإعلام الشارع. وحينئذ يكون الفساد الموعود به في النصوص من أولئك القوم، هو ما وقع من التتر من الفساد في الممالك. كما في عهد جنكزخان، وما عثاه هو وأصحابه في الدنيا والله أعلم. انتهى.وجاء في الجغرافية العمومية، في المقالة السابعة والأربعين في تخطيط آسيا، بلاد القوقاسيين أي: أهالي كوه قاف، أي: جبل قاف: إن في تلك الأقطار يمتد هذا الجبل كالسور العظيم، وفيه مجازان يسميان عند القدماء الأبواب القوقازية والأبواب الألبانية. فالمجاز الأول وهو الأبواب القوقازية هو الذي كان يخشى منه هجوم المتبربرين على كل من دولة الرومانيين والعجم. ثم إن الحصن الذي كان يسد هذا المجاز يسمى بأسماء مختلفة عند القدماء. وأما الأبواب الألبانية فأشهر الآراء فيها أنهم مجاز دربند. على امتداد بحر الخزر.ثم قال: وهناك حكاية مشهورة بين أهالي كوه قاف تقتضي أن هذا الجبل كان مسدودًا بسد عظيم يمنع غارة المتبربرين وهذا السد العظيم تارة يعزى لإسكندر، وتارة لأنو شروان ويستدلون على ذلك بآثار موجودة إلى الآن، ترى لمن يروم ذلك.التنبيه الثامن: قال أبو البقاء: يأجوج ومأجوج اسمان أعجميان، لم ينصرفا للعجمة والتعريف. ويجوز همزهما وترك همزهما. وقيل: هما عربيان فيأجوج يفعول مثل يربوع. ومأجوج مفعول مثل معقول. وكلاهما من أجّ الظليم إذا أسرع. أو من أجت النار إذا التهبت. ولم ينصرفا للتعريف والتأنيث أي: للقبيلة كمجوس. فالكلمتان من أصل واحد في الاشتقاق. وعلى العجمة، لا يتأتى تصريفه. ولا يعتبر وزنه إلا بتقدير كونه عربيًّا، كما في تذكرة أبي علي.قال الرازيّ: واختلفوا في أنهما من أي: الأقوام؟ فقيل: إنهما من الترك. وقيل يأجوج من الترك ومأجوج من الجيل والديلم. ثم من الناس من وصفهم بقصر القامة وصغر الجثة، انتهى.وقال بعض المحققين: كان يوجد من وراء جبل من جبال القوقاز، المعروف عند العرب بجبل قاف، في إقليم داغستان، قبيلتان. تسمى إحداهما آقوق، والثانية ماقوق فعربهما العرب بيأجوج ومأجوج وهما معروفان عند كثير من الأمم وورد ذكرهما في كتب أهل الكتاب. ومنهما تناسل كثير من أمم الشمال والشرق في روسيا وآسيا.التنبيه التاسع:توسع من لم يشترط الصحة ولا الحسن في مصنفاته من الرواة، في تخريج ما روي عن يأجوج ومأجوج. وكله إما من الإسرائيليات أو المنكرات أو الموضوعات. ومن ذلك حديث: «إن يأجوج أمة ومأجوج أمة. كل أمة أربعمائة ألف أمة. لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر بين يديه من صلبه. كل قد حمل السلاح إلخ» رواه ابن عديّ في الضعفاء عن حذيفة مرفوعًا. وقال: موضوع منكر، ومحمد بن إسحاق العكاشيّ كذاب يضع، وقد أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه.وقال الحافظ ابن جرير ههنا، عن وهب بن منبه، أثرًا طويلًا عجيبًا، في سير ذي القرنين وبنائه السد وكيفية ما جرى له. وفيه طول وغرابة ونكارة في أشكالهم. وصفاتهم وطولهم وقصر بعضهم وآذانهم. وروى ابن أبي حاتم عن أبيه في ذلك، أحاديث غريبة لا تصح أسانيدها. انتهى.فجزى الله البخاريّ أحسن الجزاء، على نبذه تلك الروايات، واشتراطه الصحة في المرويات، فقد جنت الآثار المنكرة على الأمة أنكر الآثار. ومن طالع مقدمة صحيح مسلم صدق قوله: أن راوي الضعاف غاش آثم مضلّ وبالله المستعان. اهـ.
|